الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
البيت؛ قال الأصمعي: يريد رجباً، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع {اثنا عْشر شهراً} بسكون العين وذلك تخفيف لتوالي الحركات، وكذلك قرأ أحد عشر وتسعة عشر وقوله: {في كتاب الله} أي فيما كتبه وأثبته في اللوح المحفوظ أو غيره، فهي صفة فعل مثل خلقه ورزقه وليست بمعنى قضائه وتقديره لأن تلك هي قبل خلق السموات والأرض، والكتاب الذي هو المصدر هو العامل في {يوم} وفي قوله: {في كتاب الله} متعلقة بمستقرة أو ثابتة ونحوه، ويقلق أن يكون الكتاب القرآن في هذا الموضع، وتأمل، ولا يتعلق في بعده للتفرقة بين الصلة والموصول بخبر أن وقوله: {منها أربعة حرم} نص على تفضيل هذه الأربعة وتشريفها، قال قتادة: اصطفى الله من الملائكة والبشر رسلاً ومن الشهور المحرم ورمضان، ومن البقع المساجد، ومن الأيام الجمعة، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الكلام ذكره فينبغي أن يعظم ما عظم الله، وقوله: {ذلك الدين القيم}، قالت فرقة: معناه الحساب المستقيم، وقال ابن عباس فيما حكى المهدوي: معناه القضاء المستقيم.قال القاضي أبو محمد: والأصوب عندي أن يكون الدين هاهنا على أشهر وجوهه، أي ذلك الشرع والطاعة لله، {القيم} أي القائم المستقيم، وهو من قام يقوم بمنزلة سيد من ساد يسود أصله قيوم، وقوله: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} الضمير عائد على ال {اثنا عشر شهراً}، أي لا تظلموا أنفسكم بالمعاصي في الزمن كله، وقال قتادة: الضمير عائد على الأربعة الأشهر، ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها بالتخصيص والذكر وإن كان منهياً عنه في كل الزمن، وزعم النحاة أن العرب تكنى عما دون العشرة من الشهور، فيهن وعما فوق العشرة فيها، وروي عن الكسائي أنه قال إني لأتعجب من فعل العرب هذا، وكذلك يقولون فيما دون العشرة من الليالي خلون وفيما فوقها خلت وقال الحسن معنى فيهن أي بسببهن ومن جراهن في أن تحلوا حرامها وتبدلوه بما لا حرمة له، وحكى المهدوي أنه قيل {لا تظلموا فيهن أنفسكم بالقتل}. ثم نسخ بفرض القتال في كل زمن، قال سعيد بن المسيب في كتاب الطبري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحرم القتال في الأشهر الحرم بما أنزل الله في ذلك حتى نزلت براءة.قال القاضي أبو محمد: وقوله: {وقاتلوا المشركين} معناه فيهن فأحرى في غيرهن، وقوله: {كافة} معناه جميعاً وهو مصدر في موضع الحال، قال الطبري: كالعاقبة والعافية فهو على هذا كما تقول خاصة وعامة، ويظهر أيضاً أنه من كف يكف أي جماعة تكف من عارضها وكذلك نقل الكافة أي تكف من خالفها، فاللفظة على هذا اسم فاعل، وقال بعض الناس: معناه يكف بعضهم بعضاً عن التخلف، وما قدمناه أعم وأحسن، وقال بعض الناس: كان الفرض بهذه الآية قد توجه على الأعيان ثم نسخ ذلك بعد وجعل فرض كفاية.قال القاضي أبو محمد: وهذا الذي قالوه لم يعلم قط من شرع النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ألزم الأمة جميعاً النفر، وإنما معنى الآية الحض على قتالهم والتحزب عليهم وجمع الكلمة، ثم قيدها بقوله: {كما يقاتلونكم} فبحسب قتالهم واجتماعهم لنا يكون فرض اجتماعنا لهم، وأما الجهاد الذي ينتدب إليه فإنما هو فرض على الكفاية إذا قام به بعض الأمة سقط عن الغير، وقوله: {واعلموا أن الله مع المتقين} خبر في ضمنه أمر بالتقوى ووعد عليها بالنصر والتأييد.
وقال الآخر: [الكامل] ومنه قول جذل الطعان: [الوافر] وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر {يَضِل} بفتح الياء وكسر الضاد، وقرأ ابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة وعمرو بن ميمون {يُضِل} بضم الياء وكسر الضاد فإما على معنى يضل الله وإما على معنى يضل به الذين كفروا أتباعهم، ف {الذين} في التأويل الأول في موضع نصب، وفي الثاني في موضع رفع، وقرأ عاصم أيضاً وحمزة والكسائي وابن مسعود فيما روي عنه {يُضِل} بضم الياء وفتح الضاد على المفعول الذي لم يسم فاعله، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {زين} للتناسب في اللفظ، وقرأ أبو رجاء {يَضل} من ضل يضل على وزن فعل بكسر العين يفعل بفتحها وهي لغتان يقال ضل يضل وضل يضل والوزن الذي ذكرناه يفرق بينهما، وكذلك يروى قول النبي صلى الله عليه وسلم، «حتى يضَل الرجل إن يدر كم صلى» بفتح الضاد وكسرها، وقوله: {يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً} معناه عاماً من الأعوام وليس يريد أن تلك مداولة في الشهر بعينه عام حلال وعام حرام.قال القاضي أبو محمد: وقد تأول بعض الناس القصة أنهم كانوا إذا شق عليهم توالي الأشهر الحرم أحل لهم المحرم وحرم عليهم صفر بدلاً منه ثم مشت الشهور مستقيمة على أسمائها المعهودة فإذا كان من قابل حرم المحرم على حقه وأحل صفر، ومشت الشهور مستقيمة، ورأت هذه الطائفة أن هذه كانت حالة القوم.قال القاضي أبو محمد: والذي قدمناه قبل أليق بألفاظ الآيات، وقد بينه مجاهد وأبو مالك، وهو مقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم، «إن الزمان قد استدار» مع أن هذا الأمر كله قد تقضى والله أعلم. أي ذلك كان، وقوله: {ليواطئوا} معناه ليوافقوا والمواطأة الموافقة تواطأ الرجلان على كذا إذا اتفقا عليه، ومعنى ليواطئوا عدة ما حرم الله ليحفظوا في كل عام أربعة أشهر في العدد.قال القاضي أبو محمد: فأزالوا الفضيلة التي خص الله بها الأشهر الحرم وحدها بمثابة أن يفطر أحد رمضان ويصوم شهراً من السنة بغير مرض أو سفر، وقوله: {زين} يحتمل هذا التزيين أن يضاف إلى الله عز وجل والمراد به خلقه لكفرهم وإقرارهم عليه وتحبيبه لهم، ويحتمل أن يضاف إلى مغويهم ومضلهم من الإنس والجن، ثم أخبر تعالى أنه لا يهديهم ولا يرشدهم، وهو عموم معناه الخصوص في الموافين أو عموم مطلق لكن لا هدية من حيث هم كفار.قال القاضي أبو محمد: وذكر أبو علي البغدادي في أمر {النسيء} أنه كان إذا صدر الناس من منى قام رجل يقال له نعيم بن ثعلبة فيقول أنا الذي لا أعاب ولا يرد لي قضاء فيقولون أنسئنا شهراً أي أخّر عنا حرمة المحرم فاجعلها في صفر.قال القاضي أبو محمد: واسم نعيم لم يعرف في هذا وما أرى ذلك إلا كما حكى النقاش من بني فقيم كانوا يسمون القلامس واحدهم قلمس وكانوا يفتون العرب في الموسم، يقوم كبيرهم في الحجر ويقوم آخر عند الباب ويقوم آخر عند الركن فيفتون.قال القاضي أبو محمد: فهم على هذا عدة، منهم نعيم وصفوان ومنهم ذرية القلمس حذيفة وغيرهم.قال القاضي أبو محمد: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «لا عدوى ولا هامة ولا صفر»، فقال بعض الناس: إنه يريد بقوله لا صفر هذا النسيء، وقيل غير ذلك.
وقرأ الأعمش فيما حكى المهدوي وغيره تثاقلتم على الأصل، وذكرها أبو حاتم تتثاقلتم بتاءين ثم ثاء مثلثة، وقال هي خطأ أو غلط، وصوب تثاقلتم بتاء واحدة وثاء مثلثة أن لو قرئ بها، وقوله: {اثاقلتم إلى الأرض} عبارة عن تخلفهم ونكولهم وتركهم الغزو لسكنى ديارهم والتزام نخلهم وظلالهم، وهو نحو من أخلد إلى الأرض، وقوله: {أرضيتم} تقرير يقول أرضيتم نزر الدنيا على خطير الآخرة وحظها الأسعد، ثم أخبر فقال إن الدنيا بالإضافة إلى الآخرة قليل نزر، فتعطي قوة الكلام التعجب من ضلال من يرضى النزر بدل الكثير الباقي، وقوله: {إلا تنفروا} الآية، {إلا تنفروا يعذبكم} شرط وجواب، وقوله: {يعذبكم} لفظ عام يدخل تحته أنواع عذاب الدنيا والآخرة، والتهديد بعمومه أشد تخويفاً، وقالت فرقة يريد يعذبكم بإمساك المطر عنكم، وروي عن ابن عباس أنه قال: استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيلة من القبائل فقعدت فأمسك الله عنها المطر وعذبها به، و{أليم} بمعنى مؤلم بمنزلة قول عمرو بن معديكرب: [الوافر]***أمن ريحانة الداعي السميع ** وقوله: {ويستبدل قوماً غيركم} توعد بأن يبدل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً لا يقعدون عند استنفاره إياهم، والضمير في وقوله: {ولا تضروه شيئاً} عائد على الله عز وجل أي لا ينقص ذلك من عزه وعز دينه، ويحتمل أن يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وهو أليق، {والله على كل شيء قدير} أي على كل شيء مقدور وتبديلهم منه ليس بمحال ممتنع.
|